حزن الأحرار في كل بقاع العالم على تصفية الصحفية الفلسطينية بقناة الجزيرة، شيرين أبو عاقلة، كان عميقا، وإدانة هذا الفعل الإرهابي والإجرامي الجبان، أعتبره واجبا حقوقيا وإنسانيا نبيلا، يقع على عاتق كل من يؤمن بحقوق الإنسان في شموليتها وكونيتها..
غير أن الربط غير العقلاني الذي قامت به بعض الأطراف في المغرب، بين التصفية الجسدية للصحافية الفلسطينية بقناة الجزيرة، وبين تطبيع علاقة الدولة المغربية مع إسرائيل، فيه الكثير من الشعبوية والتبسيط!
جرائم قتل الصحفيين، ليست وليدة اليوم، ولم تقع في فلسطين المحتلة فقط، بل هناك جرائم قتل كثيرة وقعت، راح ضحيتها عدد كبير من الصحفيين بمناطق متعددة من جغرافية هذا العالم، حيث أن هناك من اغتيل في تغطيته للحروب كما حدث مؤخرا في الحرب بين اوكرانيا وروسيا، وهناك صحفيين أعدموا من طرف جماعات إرهابية مثل القاعدة وداعش والنصرة، أو عصابات إجرامية منظمة في إطار تنظيمات مافيوزية!
منطق “سقطت الطائرة في الحديقة” الذي تعاطت به بعض الجهات مع الجريمة الإرهابية، التي ارتكبها الجيش الإسرائيلي ضد صحفية قناة الجزيرة، منطق غير سليم، وفيه توظيف سياسوي فج من طرف تلك الجهات، التي استغلت هذا الحادث الإنساني المآسوي، بشكل مقصود، لخلط الحابل بالنابل!
ولكل غاية مفيدة، فإن بيانات “اليونسكو” تشير إلى مقتل خمسة وخمسين صحفياً وعاملاً في مجال الإعلام من جميع أنحاء العالم خلال عام 2021، وهو العام الذي شهد أقل عدد لجرائم قتل الصحفيين إبَّان العقد المنصرم.
وتكمن المشكلة الكبرى في التعامل مع هذه الظاهرة الخطيرة، في الإفلات من العقاب على هذه الجرائم، حيث أن الصحفيون لازالوا يواجهون عدداً ضخماً من المخاطر التي تهدد حقهم في الحياة.
وتشير معلومات مرصد “اليونسكو” لجرائم قتل الصحفيين، أن ثلثا هذه الجرائم في بلدان ليس فيها نزاعات مسلحة، مما يبيِّن استمرار تعرض الصحفيين للمخاطر خلال عملهم اليومي للكشف عن المخالفات؛ وهو نقيض الوضع الذي كان سائداً قبل عدة أعوام، ففي عام 2013، وقع ثلثا جرائم القتل بحق الصحفيين في بلدان تشهد نزاعات.
ووفقا لذات المصدر، فقد وقعت معظم جرائم القتل خلال عام 2021 في منطقتين فقط، وهما منطقة آسيا والمحيط الهادي التي شهدت 23 جريمة، ومنطقة أمريكا اللاتينية والكاريبي التي شهدت 14 جريمة، غير أن بيانات اليونسكو، تشير إلى أنَّ اللثام لم يُمط عن 87% من جرائم قتل الصحفيين منذ عام 2006 مما يعني أن هناك إفلات للجناة من العقاب!
ولا يزال الصحفيون في جميع أنحاء العالم عُرضة للسجن، والاعتداء الجسدي، والترهيب، والمضايقة بمعدلات مرتفعة، حتى في أثناء تغطيتهم للاحتجاجات.
من هذا المنطلق، لا يمكن استغلال فعل جرمي جبان، ارتكبه جيش دولة مارقة، ولا تبالي بقواعد القانون الدولي الإنساني، لممارسة السياسة من خلاله، عبر نافذة تطبيع العلاقات المغربية الإسرائيلية، لأن مجال العلاقات الدولية، مجال معقد، ولا يخضع للعواطف. كما أن العلاقات الثنائية، والمتعددة الأطراف للدول، تبنى في عالم اليوم، على المصالح الاستراتيجية الكبرى..
القضاء الفلسطيني دخل على خط الجريمة، والقضاء الدولي يتيح إمكانية اللجوء إلى العدالة الدولية من خلال المحكمة الجنائية الدولية، وعلى الجهات التي ألفت الركوب على المآسي الإنسانية في فلسطين والشرق الأوسط، التركيز على القضايا الجوهرية داخل الوطن، عوض التمادي في سياسة خلط الحابل بالنابل لبناء شرعية مزيفة في الداخل!
تحميل التطبيق تحميل التطبيق