طيلة مدة اختفاء طفل طنجة القتيل وابني عمران يسألني كل يوم: بابا واش لقاو الطفل المخطوف؟
لقد استيقظت صبيحة يوم السبت الأسود، على الخبر الفاجعة الذي زعزع كياني، وجعلني أتساءل مع نفسي من وقع الصدمة: بماذا سأجيبك يا ولدي عمران، وأنا افتح عيني صباح هذا اليوم المشؤوم، على خبر اغتصاب وقتل الطفل عدنان، الذي تسألني يوميا عن مصيره؟
“مصيبة كحلة هادي نيشان” عبارة لازمت لساني لوقت طويل وأنا احتسي كوب القهوة السوداء وأنفت السيجارة تلوى الأخرى، بعد مغادرة بيتي بدون قدرة على الإفطار مع الأسرة كعادتي من شدة الألم الداخلي الذي شعرت به، وكأن الضحية جزء من كياني!
لمن سنحمل مسؤولية هذا الفشل في صيانة عرض القتيل، وحماية حقه في الحياة؟ هل للأسرة المكلومة؟ ام للدولة المنشغلة بالوباء؟ أم للمجتمع الغارق في الهموم؟ أم أن المسؤولية مشتركة بين الجميع؟
أسئلة وأخرى تبادرت إلى ذهني، غبر أن السؤال الكبير الذي ظل يتردد على لساني، وانا في حالة انزعاج كبير مما حدث، كيف تمكن الخاطف من استدراج الطفل المخطوف؟ وكيف كانت ظروف اغتصابه؟ وكيف قتله؟ وكيف تخلص من جثته التي دفنه ابالقرب من بيت عائلته،بعد إشباع نزواته المرضية؟
هذه الأسئلة تحتاج إلى أجوبة متعددة الأبعاد، منها ما يرتبط ببيئتنا الاجتماعية، التي أفرزت لنا مثل هذه الوحوش الأدمية التي تفتقد لحس الإنسانية، ومنها ما يرتبط بحالة المغتصب النفسية وبنشأته الاجتماعية، ومنها ما يرتبط بأمننا الاجتماعي، في واقع ضربت فيه منظومة القيم في العمق.
ما حدث في طنجة هو استمرارية لجرائم اغتصاب جنسي مقرونة بالقتل، راح ضحيتها عدد من الأطفال، بمناطق متفرقة من جغرافية هذا الوطن، والكل يتذكر جرائم سفاح تارودانت، وكيف كان يغتصب الأطفال ويقتلهم بطرق بشعة قبل أن يتخلص منهم!
ما حدث ليس البداية، ولا يمكن أن يكون النهاية، لأن الإجرام ظاهرة ملازمة لتاريخ البشرية مند القدم، ومع ذلك، فإن جريمة طنجة تسائلنا جميعا، دولة، وحكومة، وأحزابا، ومجتمعا مدنيا، وإعلاما، وتكشف حجم المسؤولية الملقاة على الجميع، لوقف نزيف هذا الإجرام، الذي يمس الجميع، نساء، ورجالا، وأطفالا!
مؤلم أن يستغل البعض هذه الفاجعة لتسييس الجريمة، وإقحام المجتمع بشكل تعسفي في نقاش حقوقي حول عقوبة الإعدام، بخلفيات مسمومة، وفي لحظة مؤلمة، تستدعي في المقام الأول والأخير، تحليلا بنيويا، لمعرفة دواعي وأسباب استفحال الظاهرة الإجرامية، قبل مناقشة نوع العقوبة التي يستدعيها الفعل الجرمي الذي راح ضحيته الطفل عدنان رحمه الله، واسكنه فسيح جنانه، وألهم ذويه الصبر والسلوان!
هذا النوع من الاستغلال السياسوي المقيت للفواجع، التي تهز كيان المجتمع، يكشف عن خبث منقطع النظير لدى بعض الجهات، لأن الجريمة نكراء، ولأن الضحية طفل، ولأن فاجعة الأسرة كبيرة، بكل ما للكلمة من معنى!
نوع العقوبة التي يستحقها المجرم القاتل، ليست من اختصاص المجتمع، بل هي من صميم عمل القضاء، الذي يبقى له لوحده حق إصدار العقوبة المناسبة في حق الجاني، حسب ظروف وملابسات القضية الرائجة أمامه، بغض النظر عن الآثار السلبية التي خلفها الفعل الجرمي الجبات في المجتمع!
رحمك الله ولدي عدنان، وعزائي الحار لأسرتك المفجوعة، ولكل أصدقائك الذين افتقدوك بدون وداع إلى الأبد، ومعدرة لابني عمران الذي لم أقوى على إخباره بما حدث لك، وهو الذي ظل دوما يسألني عن مصيرك، رغم أنني متأكد من أنه سيعرف الحقيقة من زملائه في المدرسة، ولا ادري كيف سيكون رد فعله للأسف الشديد..
تحميل التطبيق تحميل التطبيق